الرياض: ماجدة
عبدالعزيز
تمكن شاب وشابة من
الصم التغلب على إعاقتيهما والانخراط في
العمل، وأصر الاثنان على قص حكايتيهما
لتكونا مصدر إلهام للآخرين ممن يعانون من
نفس المشكلة. محمد يقود سيارته كل يوم متوجها لعمله في
مركز المعلومات بوزارة
الداخلية، وهو يحلم بحصوله على الشهادة الجامعية ليتطور
في مجال عمله، وينال
الترقيات، لا أن يستمر مدخل بيانات، ولا يتخيل مستقبله
بدون شهادة تعليمية تساعده
على تحسين مستواه الوظيفي.
أما هند فتعمل
منسقة برنامج أبحاث الصم ولغة
الإشارة في مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة،
وتحمل على عاتقها بحث قضايا الصم
والمطالبة بحقوقهم، وأهم حق في نظرها أن يقوم
الصم بتحديد لغة الإشارة بأنفسهم،
لأنهم وحدهم من يستطيعون تحديد حاجاتهم وطرق
التعامل فيما بينهم، وهي حلقة الوصل
بين الصم السعوديين وبين كل ما هو جديد في
عالمهم بالخارج. هند ومحمد كلاهما أصيب
بالصمم في طفولته، وكل منهما تعايش مع
الإعاقة بطريقته.
دعم
العائلة
يقول محمد ناهض الدوسري إنه حصل على دعم
العائلة، خاصة شقيقه
الأكبر الذي وقف بجانبه، وسعى إلى أن يتعلم ويحصل على وظيفة،
كما ساعد الصم
الآخرين من أصدقائه،
حيث كان يستمع
لهم في حين كان بعضهم يعانون من انعدام التفاهم مع أهاليهم، لأن
أهليهم لا
يساعدونهم في إيجاد وسيلة أو طريقة يتفاهمون بها معهم. بل على العكس
كان أهون عليهم
البحث عن مترجم ليكون حلقة الوصل بينهم.
ويضيف الدوسري أنه
يرغب في إكمال دراسته
في جامعة جالوديت الأمريكية، ومنذ ثماني سنوات وهو يحاول،
ولكنه لم يجد الفرصة حتى
الآن، ووضع مسؤول في عمله عقبة أمامه في مواصلة
دراسته، وخيره بين الاستقالة أو
التقدم لإجازة لمدة ثلاثة أشهر ليدرس فيها،
فرفض الاختيارين، لأنه يريد أن يحتفظ
بعمله وثلاثة أشهر لا تكفي للدراسة في
الجامعة، وفي المملكة طرق أبواب الجامعات،
ولكنها كانت مغلقة في وجهه، وليس
أمامه سوى تخصص واحد الجامعة العربية المفتوحة، أو
كلية
الاتصالات.
المساواة مع الأصحاء
ويطالب الدوسري بالمساواة مع
زملائه الموظفين الأصحاء، فهم يحصلون على دورات تدريبية وترقيات، والصم يحصلون
فقط
على دورات بسيطة لا تستغرق مدتها أسبوعا، ويحمل مسؤولية أمية الصم
لبعض المعلمين في معهد
الأمل، يقول " كان أحد المعلمين ينام في
الفصل وهم في المرحلة الثانوية،
والطلاب سعيدون باللعب في الفصل على راحتهم، وفي
الامتحانات كان الطلاب يحفظون
الأسئلة والأجوبة التي يكتبها لهم المعلم، ويتخرجون
من الثانوية وهم لا يعرفون
القراءة والكتابة، كما أن أكثر المعلمين لا يعرفون لغة
الإشارة، يكتبون الكلام
على السبورة، وهو بالنسبة للصم مثل الرسم ينقلون
فقط".
ودعا الدوسري لحل
مشكلة التفاهم مع الصم في المستشفيات، مؤكدا أن من أهم
المشاكل التي قد تواجه الأصم في المستشفيات
كيف يعرف أن دوره حان، لأنهم ينادون
بالأسماء، ولا يعرفون أن من ينادونه أصم،
مقترحا الكتابة على ملف الأصم أنه أصم
لتلافي هذه المشكلة.
أسرة
متفهمة
أما هند الشويعر فتقول إنها
حظيت بأسرة متفهمة ومتعاونة معها بشكل
كبير. ساعدتها على تجاوز الإعاقة، حتى
إنها تنسى في بعض الأحيان فقدانها للسمع،
مشيرة إلى أنها أتقنت خمس لغات، وتؤمن
بحقيقة أنه لا يمكن أن يكون هناك عالم بدون
صم، أو أن يقتصر العالم على فئة
واحدة، كما قال تعالى وخلقناكم شعوبا وقبائل
لتعارفوا..في معنى
الآية.
وتطالب الشويعر أسرة الأصم بتعلم لغة الإشارة،
لأنها لغة التواصل
الوحيدة له مع العلم، مشيرة إلى أن الأصم يعاني من حواجز في
أسرته وفي المجتمع
ككل، ولا تأتيه المعلومات كاملة، لأن بعض الأسر لا يهتمون بابنهم
الأصم مثلما
يهتمون بالسامع.
وتحمل الشويعر على عاتقها الكثير من هموم
ومطالب الصم،
ومن خلال عملها تعمل على نشر الوعي باحتياجات الصم وضعاف السمع،
وطريقة التواصل
الصحيحة مع الصم، وتصحيح المفاهيم الخاطئة تجاه الصم، كما تهتم
بدراسة وتوثيق
لغة الإشارة السعودية ونشرها، وتدريب الأمهات ومعلمات معاهد الأمل
وبرامج الدمج
والعاملات مع الصم على
لغة الإشارة
السعودية، وإعداد برامج لتدريب المترجمات للارتقاء بأوضاع الترجمة
والمترجمين.
وترى هند أن مستقبل الأصم السعودي يبشر بخير، فهناك اهتمام
متزايد على المستوى الرسمي والشعبي بتعليم الصم وقضايا الصم ولغة الإشارة السعودية، إضافة إلى
السعي لتطوير الخدمات المقدمة
لهم، وتلبية احتياجاتهم على جميع
الأصعدة.
مناهج ضعيفة
وعن أبرز
مشكلات الصم تقول " ما زلنا في
طور النمو، ولم نصل بعد لمستوى ما وصل إليه الصم في
الغرب، فللأسف أمور الصم
لدينا ليست بأيديهم، وإنما تدار بأيدي السامعين، ومستوى
المناهج المقررة على
الصم في معظم المراحل الدراسية ضعيف لا يتناسب مع قدرات الصم،
بالإضافة إلى أن
تأهيل وتدريب المعلمين والمعلمات ليس بالمستوى المأمول، مما انعكس
سلباً على
المخرجات التعليمية، وما نشاهده حالياً من ضعف معظم الصم من خريجي معاهد
الأمل
في اللغة العربية. بينما الصم في
الغرب
أمورهم بأيديهم، ومستوى تأهيل المعلمين والمعلمات عال، مما انعكس
إيجابياً على
الصم، لهذا تمكنوا من تسنم مناصب عليا في مواقع
مختلفة".
وأشارت الشويعر إلى
أن ضعف الصم في اللغة العربية وعدم مواكبة
المناهج الدراسية المقررة عليهم مع مناهج
التعليم العام وعدم الاهتمام بتأهيل
وإعداد معلمي ومعلمات الصم وتدريبهم على لغة
الإشارة السعودية يقف حائلاً دون
حصول الصم على مناصب أكاديمية أو مناصب عليا في
مجالات العمل المختلفة.
وتساءلت كيف
سيتمكن
أصم يعاني من ضعف في اللغة العربية أن يعمل معلما؟ مشيرة إلى وجود طلاب
صم لا
يستطيعون حتى قراءة أسئلة الامتحان. ولا بد أن يقوم المترجم بترجمتها لهم
للغة
الإشارة السعودية.
ودعت الشويعر إلى إعادة النظر في المناهج
المقررة على
الصم، وتطبيق مناهج التعليم العام، وتدريب معلمي ومعلمات معاهد
الأمل وبرامج الدمج
على أحدث الأساليب العلمية في تدريس الصم
وتطبيق
ثنائية اللغة/ثنائية الثقافة، مع تكثيف
دورات لغة الإشارة السعودية لأولياء
الأمور وجميع العاملين والعاملات مع الصم، على
أن يقوم الصم بالتدريب وليس
المترجمون، ويجب ألا يسمح لأي كان بالقيام بتدريس الصم
إلا
بعد إتقان لغة الإشارة السعودية، حتى يتمكن من
نقل المعلومات كاملة للطلاب
الصم.
وأوضحت أنه تم مؤخرا في الصفوف الأولية
تطبيق مقررات التعليم
العام على الطلاب الصم. لكن هذا التطبيق يشوبه بعض القصور،
حيث إن القائمين على
التربية الخاصة طبقوا مناهج التعليم العام، وتناسوا أهمية
تدريب المعلمين
والمعلمات على الأساليب الحديثة في تعليم الصم، وعقد دورات مكثفة
طويلة المدى
في لغة الإشارة السعودية، ودعت الأصم إلى أن يكون شخصا اجتماعيا، لأن
اختلاطه
بالمجتمع وكثرة الصداقات تزيد من خبرته الاجتماعية ومن مهاراته في القدرة
على
التواصل مع المجتمع.