جددت منظمات حقوقية فلسطينية تأكيدها استمرار ما وصفتها بـ"ظاهرة" عدم تنفيذ قرارات المحاكم أو الالتفاف عليها أو المماطلة في تنفيذها، خاصة من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية.
ففي حين وثقت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان نحو 30 حالة من هذا النوع في الشهور الأخيرة، قالت مؤسسة الحق إن عدم تنفيذ قرارات المحاكم يعد جريمة في القانون الفلسطيني.
وحسب مختصين فإن رجال الأمن هم الذين "يقررون مصير البشر وليس القانون" مما يزعزع الثقة بالقضاء الفلسطيني، ويدفع كثيرين للتساؤل عن كيفية حماية أنفسهم إذا فقد الأمل في القضاء.
وكان استطلاع أجراه المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء (مساواة) ونشر نتائجه في أغسطس/آب الماضي أظهر وجود ضغوط على جهاز القضاء، مبينا أن 45% من المستجوبين صرحوا بأنهم يتعرضون للضغوط من قبل الأجهزة الأمنية.
استمرار الشكاوى
اعتبرت الهيئة المستقلة عدم تنفيذ قرارات المحاكم الفلسطينية -مهما كانت درجتها- مخالفة صريحة لأحكام القانون الأساسي الفلسطيني، مؤكدة أنها وثقت عددا من الشكاوى حول صدور قرارات من المحكمة العليا ولم تقم السلطة التنفيذية بشقيها الأمني والمدني بتنفيذها.
واستشهد التقرير الشهري للهيئة بخمسة قرارات صدرت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، و24 قرارا مماثلا خلال شهور سابقة تتعلق بالإفراج لعدم قانونية إجراءات التوقيف ولم تنفذ، مستشهدة بحالات أشخاص اعتقلوا منذ عام 2008.
وعبرت الهيئة عن قلقها البالغ لاستمرار الأجهزة الأمنية في انتهاك حق الموقوفين والمحتجزين بسلامتهم البدنية، مضيفة أنها تلقت خلال الفترة التي يغطيها التقرير 211 شكوى ضد الأجهزة في الضفة الغربية، يدعي أصحاب 25 منها أنهم تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة، مقابل 69 شكوى مماثلة في قطاع غزة يدعي أصحاب 13 منها أنهم تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة.
في السياق نفسه يقول الحاج محمد عبد القادر قزاز إن حكما بالإفراج صدر في الـ17 من الشهر الماضي بحق ابنه أمجد المعتقل منذ نحو ثلاثة أشهر في سجن الأمن الوقائي في مدينة الخليل، لكن سجانيه أخرجوه من باب السجن ثم أعادوه إليه.
وأضاف أنه بات يشعر بقلق كبير على حياة ابنه -الذي اعتقل بعد عشرة أيام من الإفراج عنه من السجون الإسرائيلية- نظرا لتجاهل قرارات القضاء الذي كان يعول عليه، وأضاف أن ابنه اعتقل قبل نحو ثلاثة أشهر، وأصيب بنكسة صحية ونقل إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية، ثم أعيد إلى زنزانته.
ونقل عن زوجته (أم أحمد) التي زارت ابنها أمجد السبت الماضي أنها فوجئت باثنين من عناصر الأمن يحضرانه لغرفة الزيارة على الأكتاف نظرا لعدم قدرته على الوقوف، وأوضحت أن وضعه النفسي والصحي في تدهور حاد.
"
استطلاع أجراه المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء (مساواة) ونشر نتائجه في أغسطس/آب الماضي أظهر وجود ضغوط على جهاز القضاء
"
مأسسة الانتهاكات
بدوره حذر مدير مؤسسة الحق في رام الله شعوان جبارين من "مأسسة الانتهاكات" حسب تعبيره، مضيفا أن "الامتناع عن تنفيذ قرارات المحاكم يعد جريمة، ويجب أن يحاسب ويحاكم ويعاقب عليها الشخص أو الجهة التي لم تقم بالتنفيذ".
واتهم الجهات الرسمية بعدم تنفيذ القرارات، وقال إن تحركات المؤسسات الحقوقية لوقف تجاهل قرارات القضاء في الداخل، تترافق مع توجه للدول ذات العلاقة خاصة الاتحاد الأوروبي "الذي وضعناه مؤخرا في صورة ما يجري عبر رسالة موقعة من 14 مؤسسة حقوقية".
ولفت الناشط الحقوقي إلى "تأثيرات خطيرة" لتجاهل قرارات المحاكم أهمها زعزعة الثقة بالقضاء، ودفع الناس لأخذ القانون باليد، وأوضح أن "القضاء جانب من جوانب الأمل لتوفير الحماية للناس من التعسف وضمان حقوقه، وإذا كانت هذه الجوانب لا تتوفر فقد يدفع ذلك الناس لأخذ حقوقهم بأيديهم".